الأربعاء، 29 فبراير 2012

الآيات المؤوّلة بالإمام المهدي (ع)

دراسات قرآنية


الآيات المؤوّلة بالإمام المهدي(عليه السلام)

العلاّمة الشيخ محمد القُمي

الآيات القرآنية التي أوّلت بمهدينا (عليه أفضل الصلاة والسلام):
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ).( النور/55)
   إنَّ هذه الآية من جُملة الآيات القرآنية المؤّولة بالإمام الحجّة (روحي له الفداء) على الظاهر:
إن الله سبحانه وتعالى قد وَعَدَ المؤمنين الصالحين من هذه الأمة بأن يجعلهم المستخلفين لمن كان قبلهم، أي يجعلهم بدل الذين كانوا من قبل في هذه الأرض، والله تعالى يورث المؤمنين الأرضَ ويجعلهم يتصرفون فيها حيث يشاؤون، ويحكمون فيها بدين الله، بعد إعطائهم القدرة والسلطة وتوفير جميع الإمكانيات، ويجعل الله خوفهم أمناً، ولا يخافون لومة لائم، فلا يخافون أحداً إلا الله، والله من ورائهم محيط، ولا يقدر عليهم أحد من أصحاب القدرة والهيمنة، ويعبدون الله دون تقية أو مجاراة لأحد، ويتجاهرون بالحق الذي سوف يسيطر على أرجاء المعمورة، والله على نصرهم لقدير.

   إن البارئ عزّ وجل (لا يخلف الميعاد) فقد وعد المؤمنين الصالحين من هذه الأمة المليئة بالخطيئات والسيئات أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وتكون حياتهم طاهرة ومطهرة، هو المعنى الظاهري للآية الشريفة.
   وقد أجاد وأفاد العلامة القزويني (قدس سره) قائلاً: إنّ هذا الوعد الإلهي - المؤكد بلام القسم ثلاث مرات، وبنون التأكيد ثلاث مرات أيضاً - لم يتحقق إلى يومنا هذا، ومتى كان المؤمنون الصالحون يتمكَّنون من الحكم على الناس وتطبيق الإسلام بكل حرية، وبلا خوف من أحد؟! ومن هم المؤمنون الذين عملوا الصالحات الذين وعَدَهم الله تعالى بهذا الوعد العظيم؟!.
   ولو راجعت تاريخ الإسلام والمسلمين منذ طلوع فجر الإسلام، إلى يومنا هذا لعلمت علم اليقين أن وعد الله تعالى لم يتحقق خلال ألف وأربعمائة سنة.
   إنني لا أظن أن مسلماً مُنصفاً يقبل ضميره بأن يكون المقصود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الأمويون، أو العباسيون، لأن التاريخ المتفق عليه بين المسلمين - بل وغير المسلمين - يشهد بأن الأمويين والعباسيين ارتكبوا أعظم الجرائم، وأراقوا دماء أولياء الله، وهتكوا حرمات الله، وكانت قصورهم مليئةً بأنواع الفجور والمنكرات.(1)
   إن الدين الإسلامي ما زال ولا يزال إلى يومنا هذا مهجوراً مجهولاً، وذلك لوجود التيارات المعاكسة، لهذا النهج الصحيح، ولوجود بقايا الأديان السماوية التي حرفوها عن مسارها الحقيقي، فكل الأديان كانت تبشر بالدين الإسلامي، وكل المِلل الآن تسعى لكي تنهش هذا الإسلام الموسوم اليوم!! وهل تعلم لماذا؟.
   نعم.. لأنهم عرفوا في كتبهم أن هذه الأرض سوف يحكمها رجل من قريش أو رجل مصلح يقيم العدل والعدالة على وجه الكرة الأرضية بتمامها، وعرفوا أيضاً أن الذي يخرج في آخر الزمان، هو من بني هاشم اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلُقه خلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلذلك هم يسعون بما في وسعهم لكي ينهشوا هذا الدين من الداخل ومن الخارج، فنلاحظ بين الآونة والأخرى من ينعق ويتفوه على مذهبنا الحق ويستهزئ بقضيّة الإمام الغائب (عليه السلام) ويقول: إنه أسطورة وحكاية وضعتها الشيعة وعلماؤهم، لكي يسدوا نقصهم!!
إذًا متى هذا الوعد؟ ومتى يستخلف الله الذين آمنوا في هذه الأرض الواسعة؟ فيكون الجواب وتأويل هذه الآية كما يلي:
1- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) قال: (نزلت في القائم وأصحابه).(2)
2- عن ينابيع المودة، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (هذه الآية نزلت في القائم المهدي).(3) (أي: الأية المذكور في الحديث السابق)
3- وفي تفسير العيّاشي: إن علي بن الحسين (عليه السلام) قرأ آية: (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)، قال: (وهم والله محبونا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) ).(4)
وقال العلامة الطبرسي: فعلى هذا يكون المراد بـ : (الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ): النبي وأهل بيته (صلوات الرحمن عليهم) وتضمنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكين في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي (عليه السلام).
وأضاف قائلاً: وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة وإجماعهم حُجَّة، لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) وأيضاً فإن التمكّن في الأرض على الإطلاق لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر لأن الله (عزّ اسمه) لا يخلف وعده.(5)
وأختم النقطة الأولى بكلمات عذبة وعبارات جزلة وردت في قنوت إمام زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف، يبشر بإنجاز الوعد الإلهي:
(.. يا من لا يخلف الميعاد، أنجز لي ما وعدتني واجمع لي أصحابي، وصبّرهم وانصرني على أعدائك.. سيدي أنت الذي مننت علي بهذا المقام وتفضلت به عليَّ دون كثير من خلقك، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تنجز لي ما وعدتني، إنك أنت الصادق، ولا تخلف الميعاد، وأنت على كل شيء قدير).(6)

الآية الثانية: قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون). (الأنبياء/ 105)
الظاهر أن المراد بالزبور كتاب داود (عليه السلام) وقد سمي بهذا الاسم في قوله: (وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)(الإسراء/55)، وقيل: المراد به القرآن، وقيل: مطلق الكتب المنزّلة على الأنبياء أو على الأنبياء بعد موسى ولا دليل على شيء من ذلك.
والمراد بالذكر قيل: هو التوراة وقد سمّاها الله به في موضعين من هذه السورة وهما قوله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون)(الأنبياء/ 7) وقوله: (وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِين)(الأنبياء/48) وقيل: هو القرآن وقد سمّاه الله ذكراً في مواضع من كلامه.. والمراد من وراثة الأرض انتقال التسلط على منافعها إليهم واستقرار بركات الحياة بها فيهم، وهذه البركات إما دنيوية راجعة إلى الحياة الدنيا، لتمتع الصالح بأمتعتها وزيناتها فيكون مؤدى الآية أن الأرض ستتطهر من الشرك والمعصية ويسكنها مجتمع بشري صالح يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً.(7)
وقيل في تفسير الأمثل: وكلمة الأرض تطلق على مجموع الكرة الأرضية، وتشمل كافة أنحاء العالم إلا أن تكون هناك قرينة خاصة في الأمر، وإن كان البعض قد احتمل أن يكون المراد وراثة كل الأرض في القيامة، إلا أن ظاهر كلمة الأرض تعني أرض هذا العالم عندما تذكر مطلقة.
ولفظ الإرث، يعني انتقال الشيء إلى شخص بدون معاملة وأخذ وعطاء، وقد استعملت هذه الكلمة في القرآن أحياناً بمعنى تسلط وانتصار قوم صالحين على قوم ظالمين، والسيطرة على مواهبهم وإمكانياتهم.. كما في شأن بني إسرائيل:
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا).( الأعراف/ 137)
وقد وردت هذه البشارة في الكتب السماوية السابقة، على أن الأرض سوف تستخلف من قبل أناس صالحين يرثونها ويرثون من عليها وهي استحقاق ومكافأة لهم من قبل البارئ (عزّ وجل).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام المهدي (عليه السلام) من المهد إلى الظهور/43،44
الحجة/148
ينابيع المودة/425، غيبة الطوسي/120
نفس المصدر السابق/426
مجمع البيان7 /152
منهج الدعوات/68
الميزان14 /329