مختارات
يقول أهل المنطق إن ما يدفع الإنسان ويحركه نحو أهدافه المختلفة في الحياة إنما هو الوجود العلمي لذلك الشيء، وهذا الوجود العلمي هو عبارة عن وجودين في الواقع، أحدهما: الوجود العيني، أي الوجود الواقعي المشاهد للمعلوم في الخارج يعني خارج ذهن الإنسان (العالم)، والوجود الآخر يُسمى:
الوجود الذهني، وهو عبارة عن انعكاس أو رسم صورة المعلوم في ذهن العالم أي: الصورة التي تتكون في أذهان الناس عن الوجود العيني.
وكلا الأمرين أو الوجودين يحصلان عن حقيقة واحدة وهو (العلم الحصولي).
فالعلم قسّمه العلماء إلى قسمين هما: علم حصولي، وعلم حضوري.
فالعلم الحصولي أو (الكسبي): وهو انطباع صور الأشياء (المعلوم) وحصولها في الذهن (العالم).
والعلم الحضوري: وهو حضور المعلوم بنفسه لدى العالم.
فعلم الإنسان بالشيء هو الذي يقوده لذلك الشيء، كعلم الصيّاد مثلاً بوجود السمك في الموسم الفلاني في الوقت الفلاني في ناحية معينة من البحر بوفرة أكثر من غيره من الأوقات يدفعه للمّ شباكه والصعود على قاربه في الوقتين المخصوصين والإبحار نحو الناحية المعينة من البحر لصيد تلك الأسماك، فواضح أن الشيء الذي حرّك الصياد هو (وجوده العلمي) حيث لايمكن للصياد وهو جالس في بيته أن يرى السمك بنسبة كثيفة في عمق البحر في الناحية الفلانية في الوقت الفلاني بل عرف ذلك عن طريق حقيقة علمية عكست ورسمت صورة (المعلوم) وهو السمك بكثافة في ذهن الصياد فصار لها وجود ذهني وهذا ما يسمى بـ (الوجود العلمي).
وكما أن العلم هو محرك العالِم (الإنسان) ودافعه نحو المعلوم، فالعلم أيضاً دليلٌ يحدد مسار الوصول للهدف المنشود، فكما هو دافع للعالِم فهو منهج وطريقة تقوده نحو المعلوم.
وبما أن مفاهيم وقيم الإسلام ومرتكزات الدعوة إلي الله سبحانه وتعالى قائمة على أساس الدليل والعلم والمعرفة، فقد شرّعت نصوص القرآن الكريم والنبي والعترت المطهرة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) شرّعت الطريق إلى الله أمام مختلف العقول البشرية بمختلف مشاربها ومواردها لكي تستنطق هذه النصوص وملاءمتها للحياة الأفضل في كل نواحي الحياة للفرد والمجتمع حاضراً ومستقبلاً، ــ ليس على مستوى العلاقة بين السبب والمسبب، بل حتى على مستوى المغيبات (كالحياة بعد الموت، والبعث القيامة و...) والتي يسلم لها غالباً في المفهوم الإسلامي تعبّدأ بالنصوص المُخبِرة عنها ــ ومواءمتها مع المنظومة الكونية بما فيها من مختلف الكائنات والمخلوقات والغاية من خلقها، ومدى مواكبة التشريعات السماوية وفلسفتها وفائدة ومصلحة الخلق كل الخلق.
ومثال على ذلك قضية نص الآية التي تحدّى فيها الخالق (عزّ وجل) البشرية على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في قوله تعالى: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ)(الطور/ 34) بطبيعة الحال هذا الكلام من علم الله المُعجز وعصيٌّ على البشرية كل البشرية أن تأتي بحديثٍ من مثله وهذا دلالة إعجازه، ثم طلب منهم أن يأتوا بعشر سور وبطبيعة الحال عبر عنها الخالق (عزّ وجل) بالمفتريات لأنها لن تكون كلام الحق وبالتالي لن تكون قرآنا حقيقةً ولا آية دالة على حق فقال: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )(هود/13) فعجزوا أن يأتوا بذلك، ثمّ طلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة فقط وليستعينوا بمن شاءوا من المخلوقين حيث قال سبحانه: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(البقرة/23)، وبعد أن عجزوا تحدى سبحانه الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن وأخبر مسبقاً بأنهم لن يستطيعوا ذلك ولو تعاونوا جميعاً على ذلك (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)(الإسراء/ 17).
فلم يكن الإسلام لحظةً يؤمن بمسلك الجبريين، ولم يمِل لحظة إلى سبيل المفوّضين، ولم يكن الإسلام يهدف للوصول لمبتغاه (وهو تزكية النفس البشرية) بالسيف، ولم يكن الإسلام لحظة يوئيد منهاج الوصول لغاياته (إلا ليعبدون) سوى بسبيل العلم، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(يوسف/108)، والبصيرة: الحجة.
والقضايا التي تحدّى فيها القرآن البشرية كثيرة جداً مثل قضية خلق البنان، ومراحل تكوين الجنين من مضغة إلى علقة إلى.. وهكذا
هذه هي سبيل الإسلام يقارع أهل الملل المبدعة بالدليل، ويدحض شارعة أصحاب النحل بالحجة. كيف لايكون كذلك وهو الذي جعل تزكية النفس والتعليم هدفاً من بعث الرسول(صلى الله عليه وآله)، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)(الجمعة/2).
نعم، امتاز الإسلام إلى جنب تزكية النفوس الأمر بطلب العلم بل وحثّ على ذلك أكيداً وبشدّة، والنصوص في هذا المقام مستفيضة جدا، وجعل أجر عبادة العالم أفضل من غيره من العبّاد، لأنه لايتأتّى للمرء أن يأتي بالصورة الصحيحة من العبادة إلا إذا كان عالماً بكيفيتها أي بالأحكام الشرعية، ولا يمكن للعابد أن يرتقي في مدارج الدنوِّ من الله إلا إذا أصاب نصيباً من رشح معرفة الله (عزّوجلّ).
ولقد جاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(الذاريات / 56)، قال أي: (إلاّ ليعرفون)، لأن العبادة لا تتم إلاّ بالمعرفة كما أسلفنا، إذا فالله (جلّ وعلا) لم يخلق الخلق إلاّ ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه.
وجاء في (تحف العقول) لابن شعبة الحرّاني كذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنه قال: (لا يُقبل عمل إلاّ بمعرفة، ولا معرفة إلاّ بعمل...).
فعمل (العابد) إذاً لا يقبل إلاّ بمعرفة الله، ومعرفة الله لا تقبل إلا بالعمل (الطاعة)، فليس صحيحًا أن يتعلم المرء العلم ثم لا يترجمه إلى عمل أو لايلتزم به على المستوى العملي، فهو من جانبٍ أقام الحجة على نفسه بتعلمه لهذا العلم، ومن جانب آخر فإن هذا العلم مآله للنسيان والتلاشي إذ إنه لايختمر العلم في جوهر الإنسان ولايتنامى إلا من خلال العمل به. وقد أشار أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى هذه الحقيقة في قوله: (العلم يهتف بالعمل وإن أجاب وإلا ارتحل). لأنَّ العمل بالطاعة هو سير العبد إلى ساحة رضا الخالق (عزّ وجل)، وقد جاء في الحديث القدسي: (عبدي أدنُ مني شبرا، أدنُ منك ذراعا). ومن الطبيعي أن الدنو هنا ليس بالدنو المادي فالخالق تبارك وتعالى ليس بجسم ولا يحده مكان ولا يحويه زمان، وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلاَ شَيءَ أَعْلَى مِنْهُ، وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلاَ شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَلاَ اسْتِعْلاَؤُهُ بِاعَدَهُ عَنْ شَيْء مِنْ خَلْقِهِ، وَلاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ في المَكَانِ به...).(نهج البلاغة/49)
إذاً: (فالمقصود من الدنو ليس الدنو المكاني فإن الرّب تعالى يجلّ عن المكان والتشبيه بالممكنات، وإنما هو دنو المعرفة ودنو الرتبة ودنو النور، وهو القرب إلى الله تعالى...، لكن عندما يسلك السالك طريق الله تعالى تبدأ الظلمات تنقشع عن نفسه ويسعى لمعرفة المعرفة ورؤية النور فـ (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ))(السير إلى الله/51).
فالعلم قسّمه العلماء إلى قسمين هما: علم حصولي، وعلم حضوري.
فالعلم الحصولي أو (الكسبي): وهو انطباع صور الأشياء (المعلوم) وحصولها في الذهن (العالم).
والعلم الحضوري: وهو حضور المعلوم بنفسه لدى العالم.
فعلم الإنسان بالشيء هو الذي يقوده لذلك الشيء، كعلم الصيّاد مثلاً بوجود السمك في الموسم الفلاني في الوقت الفلاني في ناحية معينة من البحر بوفرة أكثر من غيره من الأوقات يدفعه للمّ شباكه والصعود على قاربه في الوقتين المخصوصين والإبحار نحو الناحية المعينة من البحر لصيد تلك الأسماك، فواضح أن الشيء الذي حرّك الصياد هو (وجوده العلمي) حيث لايمكن للصياد وهو جالس في بيته أن يرى السمك بنسبة كثيفة في عمق البحر في الناحية الفلانية في الوقت الفلاني بل عرف ذلك عن طريق حقيقة علمية عكست ورسمت صورة (المعلوم) وهو السمك بكثافة في ذهن الصياد فصار لها وجود ذهني وهذا ما يسمى بـ (الوجود العلمي).
وكما أن العلم هو محرك العالِم (الإنسان) ودافعه نحو المعلوم، فالعلم أيضاً دليلٌ يحدد مسار الوصول للهدف المنشود، فكما هو دافع للعالِم فهو منهج وطريقة تقوده نحو المعلوم.
وبما أن مفاهيم وقيم الإسلام ومرتكزات الدعوة إلي الله سبحانه وتعالى قائمة على أساس الدليل والعلم والمعرفة، فقد شرّعت نصوص القرآن الكريم والنبي والعترت المطهرة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) شرّعت الطريق إلى الله أمام مختلف العقول البشرية بمختلف مشاربها ومواردها لكي تستنطق هذه النصوص وملاءمتها للحياة الأفضل في كل نواحي الحياة للفرد والمجتمع حاضراً ومستقبلاً، ــ ليس على مستوى العلاقة بين السبب والمسبب، بل حتى على مستوى المغيبات (كالحياة بعد الموت، والبعث القيامة و...) والتي يسلم لها غالباً في المفهوم الإسلامي تعبّدأ بالنصوص المُخبِرة عنها ــ ومواءمتها مع المنظومة الكونية بما فيها من مختلف الكائنات والمخلوقات والغاية من خلقها، ومدى مواكبة التشريعات السماوية وفلسفتها وفائدة ومصلحة الخلق كل الخلق.
ومثال على ذلك قضية نص الآية التي تحدّى فيها الخالق (عزّ وجل) البشرية على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في قوله تعالى: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ)(الطور/ 34) بطبيعة الحال هذا الكلام من علم الله المُعجز وعصيٌّ على البشرية كل البشرية أن تأتي بحديثٍ من مثله وهذا دلالة إعجازه، ثم طلب منهم أن يأتوا بعشر سور وبطبيعة الحال عبر عنها الخالق (عزّ وجل) بالمفتريات لأنها لن تكون كلام الحق وبالتالي لن تكون قرآنا حقيقةً ولا آية دالة على حق فقال: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )(هود/13) فعجزوا أن يأتوا بذلك، ثمّ طلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة فقط وليستعينوا بمن شاءوا من المخلوقين حيث قال سبحانه: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(البقرة/23)، وبعد أن عجزوا تحدى سبحانه الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن وأخبر مسبقاً بأنهم لن يستطيعوا ذلك ولو تعاونوا جميعاً على ذلك (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)(الإسراء/ 17).
فلم يكن الإسلام لحظةً يؤمن بمسلك الجبريين، ولم يمِل لحظة إلى سبيل المفوّضين، ولم يكن الإسلام يهدف للوصول لمبتغاه (وهو تزكية النفس البشرية) بالسيف، ولم يكن الإسلام لحظة يوئيد منهاج الوصول لغاياته (إلا ليعبدون) سوى بسبيل العلم، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(يوسف/108)، والبصيرة: الحجة.
والقضايا التي تحدّى فيها القرآن البشرية كثيرة جداً مثل قضية خلق البنان، ومراحل تكوين الجنين من مضغة إلى علقة إلى.. وهكذا
هذه هي سبيل الإسلام يقارع أهل الملل المبدعة بالدليل، ويدحض شارعة أصحاب النحل بالحجة. كيف لايكون كذلك وهو الذي جعل تزكية النفس والتعليم هدفاً من بعث الرسول(صلى الله عليه وآله)، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)(الجمعة/2).
نعم، امتاز الإسلام إلى جنب تزكية النفوس الأمر بطلب العلم بل وحثّ على ذلك أكيداً وبشدّة، والنصوص في هذا المقام مستفيضة جدا، وجعل أجر عبادة العالم أفضل من غيره من العبّاد، لأنه لايتأتّى للمرء أن يأتي بالصورة الصحيحة من العبادة إلا إذا كان عالماً بكيفيتها أي بالأحكام الشرعية، ولا يمكن للعابد أن يرتقي في مدارج الدنوِّ من الله إلا إذا أصاب نصيباً من رشح معرفة الله (عزّوجلّ).
ولقد جاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(الذاريات / 56)، قال أي: (إلاّ ليعرفون)، لأن العبادة لا تتم إلاّ بالمعرفة كما أسلفنا، إذا فالله (جلّ وعلا) لم يخلق الخلق إلاّ ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه.
وجاء في (تحف العقول) لابن شعبة الحرّاني كذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنه قال: (لا يُقبل عمل إلاّ بمعرفة، ولا معرفة إلاّ بعمل...).
فعمل (العابد) إذاً لا يقبل إلاّ بمعرفة الله، ومعرفة الله لا تقبل إلا بالعمل (الطاعة)، فليس صحيحًا أن يتعلم المرء العلم ثم لا يترجمه إلى عمل أو لايلتزم به على المستوى العملي، فهو من جانبٍ أقام الحجة على نفسه بتعلمه لهذا العلم، ومن جانب آخر فإن هذا العلم مآله للنسيان والتلاشي إذ إنه لايختمر العلم في جوهر الإنسان ولايتنامى إلا من خلال العمل به. وقد أشار أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى هذه الحقيقة في قوله: (العلم يهتف بالعمل وإن أجاب وإلا ارتحل). لأنَّ العمل بالطاعة هو سير العبد إلى ساحة رضا الخالق (عزّ وجل)، وقد جاء في الحديث القدسي: (عبدي أدنُ مني شبرا، أدنُ منك ذراعا). ومن الطبيعي أن الدنو هنا ليس بالدنو المادي فالخالق تبارك وتعالى ليس بجسم ولا يحده مكان ولا يحويه زمان، وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلاَ شَيءَ أَعْلَى مِنْهُ، وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلاَ شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَلاَ اسْتِعْلاَؤُهُ بِاعَدَهُ عَنْ شَيْء مِنْ خَلْقِهِ، وَلاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ في المَكَانِ به...).(نهج البلاغة/49)
إذاً: (فالمقصود من الدنو ليس الدنو المكاني فإن الرّب تعالى يجلّ عن المكان والتشبيه بالممكنات، وإنما هو دنو المعرفة ودنو الرتبة ودنو النور، وهو القرب إلى الله تعالى...، لكن عندما يسلك السالك طريق الله تعالى تبدأ الظلمات تنقشع عن نفسه ويسعى لمعرفة المعرفة ورؤية النور فـ (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ))(السير إلى الله/51).
الحكمة..