الأربعاء، 22 فبراير 2012

كلمة العدد 3

كلمة الحكمة

التأريخ السقيم

   التأريخ وما أدراك ما التأريخ، عواصف من جمل وتراكمات من الكلام، وهدير من الآهات وأنهر من دماء وجبال متراكمة من الهموم وألحان غريبة عن وطن المغتربين، وحكايات مفبركة من زوايا السجون ورحيق أزفر من لعاب الذئاب، عذرا على هذا الوصف القاتم، إنني أرسم صورة لتاريخنا السقيم، تاريخنا ممزوج من الغث والسمين يثقل فوق صدورنا همَّه ويجهد عقولنا وصمُهُ.

   محنتُنا أننا مجتمع يحتاج إلى التأريخ ويعتمد عليه لأنه يرسم مفاصل مهمةً من مسير حياة الدعوة والنهوض بالإسلام ولأنه يحكي سيرة أنقى من خلق الله والذين على آثارهم مقتدون، وهذه السيرة ضالة المؤمن لأنها تختزل كلام وفعل وتقرير المعصوم (السنة والحديث) وهما عِدل الكتاب وإيضاح الخطاب، وتنطوي به حقبٌ كابد فيها الرسول وأهلُ بيته ماكابدوه من صنوف الهوان دفاعاً عن دينه جُلْنا نبحث عنها فلم نجد تاريخا منصفاً أو قصصاً عادلة أو حَكايا راشدة، بل وقفنا على غصصٍ من حكايا وزيفٍ من كلمات هي مددٌ لتك المظالم دأبها اجتناب الحقيقة وديدنها الضلالة والتزييف.
مشكلةُ بل قل معضلةُ التأريخ أنه كتب بإمارة الحكّام، وإملاءات الميول، وطنطنات الهوى، والقريب في الواقع أنك تَحار لكاتب قدير أو عالمٍ نحرير عندما يسرد تاريخاً من غير احتراف، وبعيد عن الموضوعية، ومنعطِف عن الضمير، ومنحاز إلى المذهبية أو العصبية أو القبلية وهذه الطامة التي وشَّحت تاريخنا بالسواد وسربلته بالنكد لا تكاد تبحث عن منقبة فاضلة لأهل البيت (عليهم السلام) إلا وتجد لحناً في القول أو أعراضاً عن عمد، أو تشويه عن قصد، أو حشو عن ضغن.
   التزييف آلة تصون المؤرخين عن الحقيقة. ولا أراني اسطيع أن أعبر عن هذه البلوى المتراكمة بين دفوف الكتب تاريخاً إنها مسودات دواوين الرياسة نقشتها أمددة المتزينين ببردة العلماء، والقافزين على حصون العلم، والآخذين زينتهم عند كل قصر سلطان جائر.
   ولذلك نهضت همَمُ العقلاء والمنصفين بمشروع: (في سبيل إعادة كتابة التأريخ من جديد).
 ولكن  ما يهون الخطب الجلل عقيدتنا في الواقع أن المُستَهْدَفين من هذا الطمس (التاريخي) أُناس خلقهم الله أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.
الحكمة..