كلمة الحكمة
الحكمة..
يخيّل للبعض منا أحياناً أو بعض الأحايين إنه مخلوق مستثنى عن نظائره من بني البشر وأعني بالاستثناء هنا هو الشعور بالتمايز والغرور، وإن شأت فقل الإعجاب بالذات، وعلى كل حال جميع هذه الخصال (التمايز والغرور والإعجاب) تصنف في خانة الإنسان (اللا سوي) في علم النفس الأرضي.
حيث يَعتبرون أن من يعاني من أحد هذه الأمراض يجب عليه الخضوع للعلاج والمتابعة من المختصين في هذا المجال (الطب النفسي)، وفي أغلب الاحتمالات تقود هذه الأمراض صاحبها في نهاية المطاف لأمرين أما الانطواء والعزلة ومن ثم الاكتئاب النفسي الحاد أو الانتحار والعياذ بالله، فقد أوضحت كثير من الدراسات والتحليلات التي قام بها الباحثون في علم النفس حول بعض الشخصيات المعروفة والتي كانت لها شهرتها على الصعيد العالمي ومن حقب مختلفة من الزمان والتي كانت تتصرف بأنماط غير سوية وتتوق لحب الشهرة والتسلط واللتي انتهى بها المطاف لمصير بائس ونهاية تعيسة أو أصبح مصيرها مجهولاً أو للإنتحار إن على صعيد الحياة السياسي (الانتحار السياسي) جراء مايتخذونه من قرارات طائشة ناتجة من حبهم لذواتهم الأنانية وتقليب المصلحة الذاتية على المصالح العامة. أو الانتحار المادي كخطوة للفرار من واقعهم البائس ظنا منهم أنها أسلم طريقة للفرار من لعنة الأجيال والتأريخ ناتج عن شعورهم بالعجب من أنفسهم ومن تنامي سلطة الغرور لديهم، وأنهم كانوا يعطون لأنفسهم مساحة كبيرة من الخيلاء مما له الأثر البالغ في اقتماص سربال الكبر والتفرد لأنهم يعتبرون أنفسهم ممتازين عن باقي بني البشر إدراكاً وشعوراً وذكاء وفطنة، وهم في الواقع متقوقعون في مستنقع الأنا ووحل الشهوات، وملتصقين بحضيض الدنيا المحدودة الزائلة و... هذه الفئة وضروبها من البشر ممن أعطوا لأنفسهم صناعة من مادة أخرى وتركيبة ثانوية أو كما قال الشاعر وهو يخاطب أحد الطغاة:
( يا أيها المغرور في سلطانه *** أمن اللُّجَين خُلقتَ أم طينِ)
المسيرة البشرية حافلة بمثل هذه النماذج التي لم تنصت للضمير، ولم تسمع لصوت العقل، ولم تستجِب لنداء الأنبياء ولم تنقَد إلا لنزوة الفرْج والبطن، ولم تعِ إلا لهمس نفسها الأمارة بالسوء والظلم، وسلمت أمرها منقادةً طوعا لوساوس الشيطان ــــ شياطين الجن والأنس ــــ.
ولقد ضرب لنا القرآن الكريم من هذا المثل نماذج كثيرة في مواضع وظروف وحيثيات مختلفة من قابيل إلي فرعون فهامان وطالوت و...
قد يخيّل لك أحياناً أنك لست كهؤلاء الفراعنة وأنك لن تدّعي الربوبية وأنك لن تحارب نبيّاً، وأنك عندما تعجب بنفسك فإن ذلك العجب محدود لأمر صغير كإعجابك بمالك أو علمك (القاصر) أو إعجابك بفتوّتك أو يأخذك الغرور بشبابك مثلاً، فهذا التصوّر ليس بصحيح إطلاقا وإنما هؤلاء الفراعنة إنما ادَّعوا الربوبية لأنهم بدأوا بالغرور صغاراً وكانت طموحاتهم محدودة فنمَى هذا الغرور والعجب لديهم بتنامي العمر، وكلّما أطلق الإنسان حبائل هذه المساوئ أكثر جرّه ذلك للأنا والعجب والغرور أكثر، والشعور بالاستثناء والتمايز عن نظائره من بني البشر.
الحكمة..