دراسات قرآنية
ضرورة معرفة القرآن
سماحة آية الله الشهيد الشيخ مرتضى المطهري (قدس)
معرفة القرآن لكلِّ شخصٍ بعنوان أنّه إنسانٌ عالم، ولكلِّ مؤمنٍ على أساس أنه فرد مؤمن، أمر واجبٌ وضروري.
أمّا بالنسبة للعالم الخبير بشئون الناس والمجتمع، فمعرفة القرآن ضروريّة، لأنّ هذا الكتاب عاملٌ مؤثرٌ في تكوين مصير المجتمعات الإسلامية، بل وفي تكوين المجتمعات البشريّة.
نظرةً إلى التاريخ توضح لنا هذه النقطة، وهي أنّه لا يوجد كتاب في التأريخ أثرّ كالقرآن في حياة الإنسان، وفي تكوين المجتمعات البشرية - وأمّا في أي اتجاه كان هذا التأثير؟ وهل حوّل مسيرة التأريخ إلى جهة السعادة ورفاهية البشريّة أم إلى جهةِ الانحطاط والنقص؟ وهل كان بسبب تأثير هذا القرآن، أن وجدت حركة وثورة في التأريخ، وجرى دمٌ جديد في عروق المجتمعات البشرية أم بالعكس؟ أنه موضوع خارج عن نطاق بحثنا هذا-. ولهذا الغرض، فإنّ القرآن يدخل ضمن مبحث علمِ الاجتماع، وضمن المواضيع التي يهتم بها هذا العلم. ومعنى كلامنا أن البحث والتحقيق حول تأريخ العالم خلال 14 قرناً بصورة عامة، ومعرفة المجتمعات الإسلامية بصورة خاصّة، بدون معرفة القرآن، أمرٌ محال.
وأمّا ضرورة معرفة القرآن لكل مسلم مؤمن، فإنّها تأتي لكون القرآن، المنبع الأصلي والأساسي للدين والإيمان وتفكر كل مسلم ، ولأنه (القرآن) يهب الحياة حرارة وروحا وحرمة ومعنى. القرآن (ليس؟؟) مثل بعض الكتب الدينية التي تعرض مجموعة من المسائل الغامضة حول الله والخلقة والكون، أو تعرض - على الأكثر - مجموعة من النصائح الخلقية العادية ولا غير، حتى يضّطر المؤمنون إلى أخذ أفكارهم ومعتقداتهم ومفاهيم حياتهم من منابع أخرى. القرآن عرض ووضح أصول العقائد والأفكار التي يحتاج إليها الإنسان، على أساس أنه موجود مؤمن وصاحب عقيدة.
وهكذا بيّن القرآن الأصول التربويّة والخُلقية والأنظمة الاجتماعية والروابط الأسرية، إلا أنه يبقى التفصيل والتفسير، وأحياناً الاجتهاد، وتطبيق الأصول على الفروع، فذلك موكول إلى السنة أو الاجتهاد (استنباط الأحكام). ولذا تتوقف الاستفادة من أيِّ منبع آخر على معرفة القرآن مقدما. القرآن مقياس ومعيار للمنابع الأخرى، وعلينا أن نطبّق الحديث والسّنة مع المعايير القرآنية، فلو تطابقت معها قبلناها، ولو لم تطابقها رفضناها.
وأما أكثر المنابع اعتباراً وتقديساً عندنا بعد القرآن، هي: الكتب الأربعة في الحديث (الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب، والاستبصار)، وفي الخطب: (نهج البلاغة)، وفي الأدعية: (الصحيفة السجادية)، وكل هذه المنابع متفرّعة من القرآن ولا نقطع بها كما نقطع بالقرآن، أي أن حديث الكافي: نستطيع أن نأخذ به ونستدل عليه عندما نطبقه مع القرآن، ولا بد أن يتطابق معه ومع تعاليمه ولا يختلف معه شيئا.
كان الرّسول الأعظم والأئمة الأطهار(عليهم السلام) يقولون (بما معناه). اعرضوا أحاديثنا على القرآن، فإن لم تنطبق معه فأعلموا أنها مزوّرة مجعولة، نحن لا نقول خلافاً للقرآن.