هذه وُريقاتٌ كريمة تحكي أنواع معجزات رسول الله (ص) مع الشواهد التاريخية على كلِّ نوع منها، فدونكها معطرةً بأريج النَّبوة:
إنَّ للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلَّم) مُعجزات لم تكنْ لغيره من الانبياء، وإنَّه (ص) جاء بمثل مُعجزاتهم كلِّها.
وذكر إبن شهر آشوب (ره) إنّ للنبي (ص) "أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة"، وذكرت منها ثلاثة آلاف.
يقول المُحَدِّث القُمِّي (ره) عن رسول الله (ص) ومعجزاته:
إنّ جميعَ أفعاله، وأقواله، وأخلاقه، معجزةٌ سيّما أخباره بالمغيّبات، مُضافاً إلى مُعجزاته قبل الولادة.
وأقوى وأبقى مُعجزاته (ص) هي القرآن، الذي عجز البلغاء والفصحاء عن الإتيان بمثله، واعترفوا بهذا العجز والانكسار، وافتضح كلُّ من أراد أن يأتي بمثله، كـ مسيلمة الكذّاب، والأسود العنسي، وغيرهما.
وهذه عِدَّةُ أنواعٍ من معاجزه (ص) نسلكها بين يديِّ القارئ الكريم مع التمثيل لكلِّ نوعٍ منها على سبيل الإشارة لا الحصر:
النوع الاول: ما صدر من معجزات في الأجرام السماويّة، ومثاله:
ردّ الشمس
عن أسماء بنت عميس (ره) انّها قالت: إنّ علياً (ع) بعثه رسول اللّه (ص) في حاجة وقد صلّى النبي العصر ولم يصلّها علي (ع)، فلمّا رجع وضعَ رأسَه في حجر عليّ (ع) وقد أوحى اللّه إليه فجلّله بثوبه، فلم يزلْ كذلك حتى كادت الشمسُ تغيب، ثم انّه سُرِّي عن النبي (ص)
فقال: (أصلّيت يا علي) ؟
قال: لا.
فقال النبي (ص): (اللهم ردّ على عليّ الشمس).
فرجعت حتى بلغت نصف المسجد.
النوع الثاني: ما صدر من معجزات في الجمادات والنباتات، ومثاله:
حنين الجذع
روى المُسلمون بمختلف مذاهبهم بأسانيد كثيرة: أنّ النَّبِيَّ (ص) لمّا بنى مسجدَه كان فيه جذعُ نخلٍ إلى جانب المِحراب يابسٌ عتيق، إذا خطب يستند عليه، فلمّا اتخذ له المنبر وصعد، حنّ ذلك الجذع كحنينِ الناقة إلى فصيلها، فنزل رسول اللّه (ص) فاحتضنه فَسَكَنَ من الحنين، ثم رجعَ رسول اللّه (ص).
ويسمّى الحنّانة إلى أن هَدَمَ بنو أميّة المَسجد وجدّدوا بناءه، فقلعوا الجذع.
وفي رواية أنَّه قال (ص): (لو لمْ أحتضنه لحنّ الى يوم القيامة).
وورد في رواية أخرى أنَّ رسول اللّه (ص) أمر بقطع ذلك الجذع ودفنه تحت المنبر.
النوع الثالث: ما صدر من معجزات في الحيوانات، ومثاله:
الظبيةُ التي حدَّثتْ رسول الله (ص)
روى الراوندي وإبن بابوية عن أم سلمة (ره) أنّها قالت:
كان النبي (ص) يمشي في الصحراء، فناداه مناد:
يا رسول اللّه !
مرَّتين، فالتفت فلمْ ير أحدا، ثم ناداه فالتفت فاذا هو بظبية موثّقة، فقالت: انّ هذا الأعرابي صادني ولي خشفان في ذلك الجبل، أطلقني حتى أذهب وأرضعهما وأرجع !
فقال: (وتفعلين) ؟
قالت: نعم، إنْ لمْ أفعل عذبني اللّهُ عذاب العشّار.
فأطلقها فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت، فأوثقها فجاء الأعرابي، فقال: يا رسول اللّه أطلقها.
فأطلقها النَّبي (ص)، فخرجت تعدو وتقول: أشهد أنْ لا اله الا اللّه وانّك رسول اللّه.
وفي رواية إبن شهر آشوب: أنّها كانت مربوطةً بطنب خيمة يهودي، فخلّى سبيلها فخرجت وحكت لخشفيها ما جرى،
فقالا: لا نشرب اللبن، وضامنك رسول اللّه (ص) في أذى منك.
فخرجت مع خشفيها على رسول اللّه (ص) واثنت عليه، وجعلا يمسحان رؤوسهما برسول اللّه (ص).
فبكى اليهودي وأسلم وقال: قد أَطلقتها.
واتخذ هناك مسجدا، فخنق رسول اللّه (ص) في أعناقها بسلسلةٍ وقال: (حُرِّمتْ لحومُكم على الصيادين).
النوع الرابع: ما صدر من معجزات في إحياء الموتى، وشفاء المرضى، ومعجزات أعضائه الشريفة، وغيرها، ومثاله:
المرأة وولدها
روى الرَّاوندي، والطبرسي، وجمع آخر: أنّ امرأةً أتته بصبيٍّ لها ترجو بركته بأن يسمّه ويدعو له، وكان به عاهةٌ فرحمها، والرحمة صفته (ص)، فمسح يده على رأس الصبي فاستوى شعره وبرئ داؤه.
فبلغ ذلك أهل (اليمامة) فأتوا مُسيلمة بصبيّ فسألوه، فمسح رأسه فصلع، وبقي نسلُه إلى يومنا هذا صلعا – كما قد رُوِّي تعليقاً على الخبر المذكور -.
النوع الخامس: ما صدر من معجزات في كفاية شرّ الاعداء، ومثاله:
روى مشايخ الحديث في تفسير (إنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ) (الحجر/95):
أنّها نزلت بـ (مكة) بعد أنْ نبّئ رسول اللّه (ص) بالنبوة، فأول من أسلم عليّ إبن أبي طالب (ع)، ثم خديجة (رضي اللّه عنها)، ثم دخل أبو طالب (ع) على النبي (ص) وهو يصلّي وعليّ بجنبه، وكان مع أبي طالب جعفر (ره) فقال له أبو طالب: صِلْ جناح إبن عمّك.
فوقف جعفر على يسار رسول اللّه (ص) فبدر رسول اللّه من بينهما، ثم أسلم زيد بن حارثة فكان المصلّون هؤلاء الخمسة فقط ، فلمّا أتى لذلك ثلاث سنين أنزل اللّه عليه:
(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ) (الحجر/94، 95).
ردُّ كيد زوج أبي لهب
روى الراوندي أنّه: صلّى رسول اللّه (ص) في بعض الليالي فقرأ (تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ) (المسد/1)
فقيل لامّ جميل أخت أبي سفيان امرأة أبي لهب : أنّ محمدا لم يزل البارحة يهتف بك وبزوجك في صلاته ويَقنُت عليكما.
فخرجت تطلبه وهي تقول: لئن رأيته لأسمعته،
وجعلت تنشد: من أحسّ لي محمدا ؟
حتى انتهت الى رسول اللّه (ص) وأبوبكر جالسٌ معه،
فقال أبو بكر: يا رسول اللّه لو انتحيت فانّ أمّ جميل قد أقبلت، وأنا خائفٌ أن تسمعك شيئا !
فقال: (إنَّها لم ترني).
فجاءت حتى قامت عليه وقالت: يا أبا بكر أرأيت محمدا ؟
قال: لا.
فمضت راجعة الى بيتها.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): (ضرب اللّه بينهما حجاباً أصفر، وكانت تقول له (ص): مذمم، وكذا قريش كلّهم، فقال النبي (ص): (إنّ اللّه أنساهم اسمي وهم يعلمون، يذمّون مذمّما وأنا محمد).
النوع السادس: ما صدر من معجزات في استيلائه (ص) على الجنّ والشياطين، وإيمان بعض الجنّ به، ومثاله:
سورة الجن
روى عليّ بن ابراهيم: إنّ رسول اللّه (ص) خرج من (مكّة) إلى سوق (عكاظ) ومعه زيد بن حارثة يدعو الناس إلى الاسلام، فلم يجبه أحد ولم يجد من يقبله، ثم رجع إلى (مكّة)، فلمّا بلغ موضعاً يقال له (وادي مجنّة)، تهجّد بالقرآن في جوف الليل ، فمرّ به نفر من الجن فلمّا سمعوا قراءة رسول اللّه (ص) استمعوا له، فلمّا سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض: انصتوا.
فلمّا فرغ رسول اللّه (ص) من القراءة ولّوا إلى قومهم منذرين، قالوا:
(يا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ، يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الأحقاف/30،31).
فجاؤوا الى رسول اللّه (ص) فأسلموا وآمنوا وعلّمهم رسول اللّه (ص) شرائع الاسلام، فأنزل اللّه تعالى على نبيّه:
(قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ) (الجن/1) - السورة كلّها -، ووليّ عليهم رسول اللّه (ص) منهم، وكانوا يعودون إلى رسول اللّه (ص) في كلِّ وقت.
فأمر رسول اللّه (ص) أمير المؤمنين (ع) أن يعلّمهم ويفقّههم، فمنهم مؤمنون، ومنهم كافرون، وناصبون، ويهود، ونصارى، ومجوس، وهم ولد الجانّ.
النوع السابع : ما صدر من معجزات في إخباره (ص) بالمغيّبات، ومثاله:
مع أبي سفيان
روى ابن بابويه والراوندي عن إبن عباس (ره) أنَّه قال:
دخل أبو سفيان على النَّبي (ص) يوما، فقال:
يا رسول اللّه أريد أن أسألك عن شيء ؟!
فقال (ص): (إن شئت أخبرتك قبل أن تسألني) ؟
قال: افعل.
قال (ص): (أردت أن تسأل عن مبلغ عمري).
فقال: نعم يا رسول اللّه !
فقال (ص): (انّي أعيش ثلاثا وستين سنة).
فقال: أشهد أنك صادق !
فقال (ص): (بلسانك دون قلبك).
قال إبن عباس (ره):
واللّه ما كان الاّ منافقا، ولقد كنّا في محفلٍ فيه أبو سفيان وقد كُفّ بصره وفينا عليّ (ع) فأذّن المؤذن، فلمّا قال: أشهد أنّ محمدا رسول اللّه.
قال أبو سفيان: ها هنا من يحشتم ؟
قال واحد من القوم: لا !
فقال: للّه درّ أخي بني هاشم، انظروا أين وضع اسمه ؟!
فقال عليّ (ع): (أسخن اللّه عينك يا أبا سفيان، اللّه فعل ذلك بقوله عز من قائل: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الإنشراح/4)) !
فقال أبو سفيان: أسخن اللّه عين مـن قال لـي ليس ها هنا من يُحتشم.
المصدر: منتهى الآمال للقمي:1/27