الأربعاء، 8 فبراير 2012

ولادة النور

ولادة النور
من موضوع للخطيب
السيد داخل السيد حسن

في سياق عرض ثلاثة أدوار لحياة النبي (ص) يتطرق المؤلف في الدور الأول لظروف وإرهاصات مولده (صلى الله عليه وآله وسلم)، ارتأينا - قارئي العزيز – إتحافك بهذا الدور الأول والمتعلق بهذا الأمر..
  الدور الأول: والذي يبتدئ منذ أن أشرق نوره على الكوكب الأرضي، وانبثق نور الهدى والإيمان بمولد المبارك.           




ولد الهدى فالكائنات ضياء    
وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملأ الملائك حوله     
للدين والدنيا به بشراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي  
والمنتهى والسدرة العصماء
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا   
بالترجمان شذية غناء
والوحي يقطر سلسلاً من سلسل 
واللوح والقلم البديع رواء
نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة   
في اللوح واسم محمد طغراء
اسم الجلالة في بديع حروفه
ألف هناك واسم طه الباء

ويقول الأديب الآخر :
ولدت مبرءاً من كل عيب  
كأنك قد ولدت كما تشاء
فأجمل منك لم تر قط عيني 
وأفضل منك لم تلد النساء
  وكان مولده الشريف عام الفيل قبل مبعثه بأربعين عامًا، وتوزع المسلمون على فريقين في تحديد اليوم الذي ولد فيه نبيهم، فالإمامية تذهب إلى أنه ولد في السابع عشر من شهر ربيع الأول، وأشقاؤهم من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى يذهبون إلى أنه ولد في الثاني عشر من الشهر نفسه.
  ولعل من أروع المبادرات التى تستهدف وحدة المسلمين، وتذويب الفوارق المصطنعة والطفيفة فيما بينهم هو تأسيس أسبوع الوحدة في دولة الإسلام والذي يبدأ من الثاني عشر من شهر ربيع الأول ولغاية السابع عشر منه، ويكون حينئذ الجمع بين الروايتين والأخذ بكلا القولين، ولا ضير في ذلك فتقام المهرجانات والاحتفالات التى تستلهم من ذكرى مولد النبي (ص) روح الثبات على المبدأ، والدفاع عن الحق، والتمسك بالعقيدة، وشجب الحزازات والتناحر التى يحاول المغرضون والحاقدون أن يزرعوها في صفوف المسلمين لتمزيق وحدتهم، وتفريق كلمتهم، وتشتيت شملهم.
  وبناءً على الأهداف الرائدة والدروس البليغة التى نستلهمها من ذكرى ميلاد النبي (ص) تتحول الفتاوى المتحجرة، والآراء المتزمتة والأفكار المظلمة التى تذهب إلى أن الاحتفال بمولد النبي بدعةٌ إلى فتاوى خرافية تدل على تحجر عقليات أصحابها وسذاجة إدراكهم أو خبث النوايا التى تدفعهم لذلك من حيث يشعرون أو لا يشعرون.  
  ورافقت ميلاده الميمون بعضُ الظواهر المدهشة حيث أصبحت الأصنام منكوسة على رأسها، ونيران المجوس خامدةً في بيوتها، وتزلزل قصر كسرى وسقطت منه أربعة عشر شرفة، وغاصت وجفت بحيرة ساوة، وفاض بالمياه وادي السماوة وغير ذلك من الأحداث والعجائب الباهرة التى استنتج منها العلماء وقوع أمر عظيم وحدث هام سيلعب دوراً كبيراً في تغيير الحياة العالمية.

يقول الأزري في هائيته العصماء:
وإلى فارس سرى منه سر 
فاستحالت نيرانها أمواها 
وأقامت في سفح إيوان كسرى 
ثلمة ليس يلتقي طرفاها 
وانمحت ظلمة الظلال ببدر 
كان ميلاده قران محاها
فكان الأوثان اعجاز نخل 
عاصف الريح هزها فرماها
لاتسل عن مكارم منه عمّت   
تلك كانت يداً على من سواها
حاز من جوهر التقدس ذاتاً  
تاهت الأنبياء في معناها
  وقد ولد النبي في أسرة من ألمع الأسر العربية والتى لها الصدارة في ذلك المجتمع، وشاء الله لهذا الوليد أن يشب وينشأ يتيماً فقد مات أبوه عبدالله وهو لما يزل في بطن أمه فأشرف جده عبدالمطلب على رعايته فاختار له مرضعة من بني سعد هي حليمة السعدية ومكث معها سنتين في مضارب بني سعد يشب ويشتد عوده وينمو جسده ويزداد قوة وعافية بتلك الأجواء الطبيعية لسكان البادية حتى إذا حان موعد فطامِهِ عادت به حليمة إلى حجر أمه آمنة بنت وهب لتسكب عليه من عطفها وحنانها، حتى إذا بلغ السادسة من عمره افتقد ذلك العطف والحنان بافتقاد أمه حيث اختطفتها يد المنون، فاختطفت منه الحجر الدافئ والأم الرؤوم وهو لما يزل في طفولته المبكرة، فنشأ وترعرع يتيماً من الأب والأم.
  وتقول الدراسات الاجتماعية أن اليتامى غالباً لا تكون عندهم القوة والعملقة في الحياة بل غالباً مايصحبهم ضعف الشخصية نظراً لعدم توفر الإشباع العاطفي وعدم أخذ القسط الكافي من الحب والحنان.
  ونرى النبي (ص) في هذا الجانب كان معجزة حيث نرى هذا اليتيم يقف عملاقاً على قدميه ليتحدى الدنيا بأجمعها، ويجعل العالم كله ينادي أشهد أن محمداً رسول الله، ويرفع لواء الحق خفاقاً في ربوع الأرض، ويغير مجرى حياة البشر، ويقلب المقاييس الاجتماعية الباطلة على عقب، ثم يطوى صفحةً باليةً من سجل الحياة ويفتح صفحة جديدة يسطر بها أسمى معاني الحرية والعزة والكرامة.
فأي يتيم هذا؟!
وأي شخصية فذة؟!
وأي طاقات عملاقة التى استطاعت أن تقوم بهذه الأعباء الخطيرة، والمسؤوليات الجسيمة في ذلك المجتمع المتخلف الغارق في متاهات الجهل والظلام.


إنه نبينا وسيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي طفولته المبكرة وعندما افتقد أمه تضاعف اهتمام جده عبدالمطلب في الإشراف على تربيته وسائر شؤونه، فكان يجلسه إلى جانبه بكل عطف وتقدير في مجلسه المعتاد بفناء الكعبة، حتى بلغ النبي الثامنة من عمره لاحقته يد القدار فافتقد هذه الشحصية اللامعة التى عوضته حدب الأب وحنان الأم، فتولى رعايته عمه أبو طالب مؤمن قريش الزعيم، الاجتماعي المرموق الذي كتم إيمانه ليتمكن من دعم العقيدة، وتقديم الخدمات والحماية لها أكثر مما لو أعلن إسلامه.


من لا يحضره الخطيب
السيد داخل السيد حسن