الأربعاء، 8 فبراير 2012

التوبة


أخلاقنا

قبس من كتاب جامع السعادات

للعلامة الشيخ محمد مهدي النراقي (أعلى الله مقامه) 1128-1209هـ 

حول موضوع (التوبة)

عناصر البحث
التوبة وتعريفها
هل يشترط في التوبة القدرة على الذنب السابق؟
وجوب التوبة
تحقيق في وجوب التوبة
عموم وجوب التوبة
تذنيب
لا بد من العمل بعد التوبة



فصـل

التوبة وتعريفها

ضد الإصرار (التوبة)، وهي الرجوع من الذنب القولي والفعلي والفكري، وبعبارة أخرى:
 هي تنزيه القلب عن الذنب والرجوع من البعد إلى القرب، وبعبارة أخرى: ترك المعاصي في الحال والعزم على تركها في الاستقبال وتدارك ما سبق من التقصير. وكما أن الإصرار على العصيان من رذائل قوَّتَي الغضب والشهوة، فالرجوع عنه وتركه من فضائلهما، ... ويمكن أن يقال: إن التوبة هو الرجوع عن الذنب، وهو من ثمرات الخوف والحب... ويمكن أن يقال: إن التوبة عبارة عن مجموع العلم بضرر الذنوب، وكونها حجاباً بينه وبين الله، والندم الحاصل منه، والقصد المتعلق بالترك حالاً واستقبالا، والتلاقي للماضي والندم...

وتوضيح حقيقة التوبة: أنه إذا علم العبد علماً يقينياً أن ما صدر عنه من الذنوب حائلة بينه وبين محابه. ثارَ من هذا العلم تألّمُ القلب بسبب فوات المحبوب، وصار متأسّفاً على ما صدر عنه من الذنوب، سواء كانت أفعالا أو تروكاً للطاعات. ويسمى تألمه ـــ بسبب فعله أو تركه المفوِّت لمحبوبه ــ ندماً. وإذا غلب هذا الندم على القلب، انبعثت منه حالةٌ أخرى تسمى إرادةً وقصداً إلى فعل له تعلق بالحال بترك الذنب الذي كان ملابساً له، وبالاستقبال بعزمه على ترك الذنب المفوت لمحبوبه إلى آخر عمره. وبالماضي بتلاقيه ما فات بالجبر والقضاء...
فالعلم، والندم، والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي: ثلاثة معان مترتبة في الحصول، يطلق اسم (التوبة) على مجموعها. وربما أطلقت التوبة على مجرد الندم، وجعل العلم كالسابق والمقدمة، والترك كالثمرة والتابع للمتأخر، وإلى هذا الاعتبار يسير قوله (صلى الله عليه وآله): (الندم توبة). إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وأثمره، أو عن عزم يتبعه ويتلوه، فيكون الندم محفوفاً بطرفيه، أعني ثمرته ومثمره... وبهذا الاعتبار قيل في حدها إنها: خلع لباس الجفاء ونشر بساط الوفاء، وإنها تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة، أو إنها ترك اختيار الذنب حالاً وتوطين القلب وتجريد العزم على عدم العود استقبالا...
قال الصادق (عليه السلام): (التوبة حبل الله ومدد عنايته، ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال، وكل فرقة من العباد لهم توبة، فتوبة الأنبياء من اضطراب السر، وتوبة الأولياء من تلوين الخطرات، وتوبة الأصفياء من التنفيس، وتوبة الخاص من الاشتغال بغير الله، وتوبة العام من الذنوب)...

وأما توبة العام: فأن يغسل باطنه من الذنوب بماء الحسرة. والاعتراف بجنايته دائماً، واعتقاد الندم على ما مضى، والخوف على ما بقي من عمره، ولا يستصغر ذنوبه فيحمله ذلك إلى الكسل، ويديم البكاء والأسف على ما فاته من طاعة الله، ويحبس نفسه عن الشهوات، ويستغيث إلى الله ـ تعالى ـ ليحفظه على وفاء توبته ويعصمه عن العود إلى ما سلف، ويروض نفسه في ميدان الجهاد والعبادة، ويقضي عن الفوائت من الفرائض، ويرد المظالم، ويعتزل قرناء السوء، ويسهر ليلهُ ويظمأ نهاره، ويتفكر دائماً في عاقبته، ويستعين بالله سائلا منه الاستقامة في سرائه وضرائه، ويثبت عند المحن والبلاء كيلا يسقط عن درجة التوابين، فإنّ في ذلك طهارةً من ذنوبه، وزيادة في عمله، ورفعة في درجاته.
قال الله (عزوجل): (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(العنكبوت/3).